عبد الرحمن دركزللي

Linguistic studies. Short Stories. Literary. Grammer

صورتي
الاسم:
الموقع: الإمارات العين, الجمهورية العربية السورية حلب, Syria

مدرس اللغات القديمة بجامعة حلب، معار إلى جامعة الإمارات، 0507301891 adarkazalli@uaeu.ac.ae يرجى استخدام الوصلة التالية للاطلاع على مقالات أدبية وقصص مترجمة للمؤلف http://darkazalli.blogspot.com

2007/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

تطور الكتابة
د/ عبد الرحمن دركزللي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد اختراع الكتابة منعطفا خطيرا في حياة البشر؛ نظرا لما ترتب عليه من تقدم مذهل في حياتهم، إذ عمل على نشوء الثقافة، وظهور العلوم، كما أنه حفظ للأجيال المتعاقبة تراث الأسلاف ولولا الكتابة لظل الإنسان في حالة من الأمية والبدائية تشبه ما نراه أو نسمع عنه اليوم من الأمية التي عليها بعض القبائل في مجاهل إفريقية.

ويُجمع علماء اللغة على أن ظهور الكتابة جاء في وقت متأخر جدا عن ظهور اللغة، كما يذهبون إلى أن الكتابة مرت في أطوار ومراحل بالغة التعقيد والتداخل. و يمكننا أن نشير إلى ثلاث منها،هي: المرحلة التصويرية والمرحلة المقطعية والمرحلة الأبجدية ، و الأخيرة هي المرحلة التي استقرت عليها اللغات الراقية.

أما مكان اختراع الكتابة فغير متفق عليه، وإن كانت هناك دلائل تشــير إلى منطقة ما بين النهرين: ( دجلة والفرات ) و كان الإغريق يطلقون عليها اسم " ميزوبوتاميا " ، على أن نفرا من الباحثين والدارسين يذهبون إلى أن المصريين القدماء هم الذين اخترعوها.

ومما لا ريب فيه أن اختراع الكتابة إنما رافق انتقال الإنسان من " مرحلة الصيد والقنص " إلى مرحلة " الزراعة "؛ ذلك أن الزراعة عملت على استقرار الإنسان، ونشوء الملكية الفردية وقيام التجمعات المدنية ( القرى / المدن).

ومع ظهور التجمعات المدنية، احتاج الإنسان إلى تبادل الســــلع، فكان مضطرا لاختراع الأعداد الحسابية ليعقد الصفقات، ويمارس التجارة. ولا بد لنا ههنا من الإشارة إلى دور المعبد سواء في منطقة ما بين النهرين أم في مصر القديمة حيث كانت السلطة محصورة في رجال الدين، وكانت وسائل الإنتاج من عبيد وغلال وأرزاق ملكـا للمعبد، من منطلق أن الإنسان ينبغي أن يقدم نتاجه إلى الآلهة كي ترضى عنه. وكان معظم الملوك يجمعون في آن واحد بين السلطة الدينية والسلطة المدنية، حتى إن بعضهم كان يُعبد على أنه إله أو من نسل الآلهة.

والظاهر أن الإنسان القديم بدأ باختراع رموز حسابية تساعده على إحصاء مواشيه و ضبط الكميات أو المقادير التي يمتلكها من القمح والشعير والغلال والأرزاق، وذلك باصطناعه رموزا تشير إلى الأعداد فقط، لكنه وجد نفسه بعد ذلك مضطرا إلى اختراع رموز أخرى تشــــــير إلى المواد المعدودة أيضا، يؤكد هذا ما تم العثور عليه في منطقة الهلال الخصيب من رموز محفورة على الطين، يرجع تاريخها كما يقدر علماء الآثار إلى الألف التاسع قبل الميلاد، أي إلى الفترة التي تم فيها الانتقال إلى مرحلة العصر النيوليتيكي ( أي الحقبة الأخيرة من العصر الحجري).


ومن أروع الشواهد الأثرية التي تنتمي إلى هذا النوع ذلك الرقيم( اللوح الطيني) الذي عُثر عليه بمنطقة أوروك ( الوركاء) جنوب العراق، وهو رقيم من الحقبة الســــــومرية، يعود تأريخه إلى حوالي 4100 ــ 3800 ق. م.




1ــ مرحلة الكتابة التصويرية

تعد هذه المرحلة أقدم مراحل الكتابة، وفيها عبر الإنسان القديم عن أفكاره بالصور، وكانت الصور التي استخدمها السومريون تكفي للتعبير عن الأمور الأساسية في الحيـــــاة ، مثل: ( يد)، ( قدم )، ( رأس )،( امرأة) ، ( شمس).. إلخ:


امرأة يـد شمس رِجـل رأس

وفي المعابد الفرعونية أيضا، اســـــــتخدم المصريون القدماء الكتابة بالصورعلى نطاق واسع، ويقدر عدد الصور التي استخدموها في الكتابة بحوالي خمسمائة، وعنــــدما رأى الإغريق هذه الصور البديعة أعجبوا بها أي إعجاب؛ ورأوا أنها تدل على ذوق فني رفيع، حتى
إن أبا التاريخ هيرودوت أطلق عليها اسم الكتابة الهيروغليفية ( الكتابة المقدسة).



ومن الحقائق الثابتة أن الإنسان القديم على وجه العموم اســـــتخدم الصور ككلمات عبر بها عما أراد أن يقوله، ومن الأمور الطريفة التي رواها هيرودوت أن داريوس ملك الفرس غزا بدوا فأرسلوا إليه رسالة تشتمل على طير وضفدع وفأر وخمسة أسهم، وقد تم تفسير الرسالة على النحو التالي:" إذا لم تفروا كالطيور التي تطير في الجو، والفئران التي تتوارى في الجحور، و الضفادع
التي تسبح في الماء الآسن فلتواجهنّ الموت بهذه السهام ".

غير أن الإنســـــان بعد أن قطع شوطا من التطور، أخذ يشعر بأن هنالك أمورا تعجز هذه الصور عن أدائها، فعمد إلى تطوير هذه الصور التي لا تعبر إلا عن أشياء مادية/ حســــية فقط
بحيث جعلها تعبر عن أفعال أيضا، فللتعبير عن الفعل " سار" رســم ساقين مفتوحتيــن، وللتعبير عن الفعل" أكل " رسم رجلا يمد يده إلى فيه، وللتعبير عن الفعل " عمل" رسم رجلا يحمل فأسا:









2 ــ مرحلة الكتابة المقطعية

وبالرغم من المحاولات الجبارة التي قام بها الإنسان للكتابة على أساس الصور، فإن مشروعه لم يكلل بالنجاح التام، إذا وجد نفسه ــ مع تطور الحياة ــ عاجزا عن التعبير بالصور عن المعاني والمفاهيم التجريدية، مثل " فرح " ، " خوف " ، " غضب "، " ألم" ... إلخ.
إلا أن الحاجة أم الاختراع، كما يقال، فبدأ يفكر بطريقة جديدة تســـــاعده على التعبير عن هذه الحالات النفسية والمعاني التجريدية.

ولا بد لنا ههنا من الإشارة إلى أن الصور ــ مع مرور الزمان ــ مالت إلى التبسيط، وجنحت إلى السهولة، والسبب هو الرغبة في الكتابة السريعة، فليس من المعقول أن يرسم الإنسان صورة لكل شيء، ومن الأمثلة على التبسيط تلك الأشكال التي نجدها عند السومريين،
فالصورة التي تعبر عن المرأة تحولت إلى شكل مسماري جديد يشبه إلى حد ما الصورة الأصلية: وكانت في الأصل تكتب هكذا: ، وهذه مجموعة من الصور التي طرأ عليها التبسيط. وكما هو ظاهر في الصورة التالية فإن الصور قد قلبت 90 درجة بعكس عقارب الساعة، ثم إنها تخلصت من الانحناءات، وصارت مستقيمة تشبه أشكال المسامير، ومن هنا جاءت تسمية " الكتابة المسمارية".


وما إن حل عام 2800 ق. م حتى طرأ على النظام الكتابي السومري تطور جديد؛ إذ أخذت الإشارات المسمارية لا تستخدم للتعبير عن كلمات فقط ، بل صارت تعبّـــــر عن مقاطع صوتية محضة أيضا، ومما ساعد على ذلك أن اللغة الســــــومرية تشتمل على مفردات كثيرة مكونة من مقطع صوتي واحـــد فقط ، فالإشارة التي تقرأ AN ، ومعناها في الســومرية " سماء" صارت تســـتخدم كمقطع صوتي محض، وذلك لكتابة كلمات مكونة من عدة مقاطــع ( أحدها ( an ، مثل كلمـــــة: ba – an- du ومعناها في السومرية:" بنى".

ثم إن الأكاديين ، وهم عرب ساميون ، ورثوا النظام الكتابي السومري، ولم يكتفوا بذلك حتى طوروه وطوّعوه للغتهم وأصواتهم، ومن الأمثلة على ذلك الإشــــــارة ِAN التي لها دلالة ثانية في السومرية،هيDINGIR " إله " ، فحين ترجمها الأكاديــــون إلى لغتـهم بكلمة: il)um ) اكتسبت دلالة مقطعية صوتية: il ، فاستخدموها في كتابة كلمات من طـــراز:il-qe " أخذ". وهكذا تحولت الإشارات المسمارية إلى قيم مقطعية صوتية، تســــــتخدم في كتابة كل شيء يخطر على البال. وقد استخدم الأكاديون الإشـــــــــارات المسمارية، وكتبوا بها كثيرا من النصوص باللهجتين: البابلية والآشورية.

انتشرت الكتابة المسمارية على أيدي الأكاديين، وبلغت أرض عيلام ( جنوب إيران)، وبلاد الشام وآسية الصغرى ، فكتب بها الحوريون والحثيون، وبلغ من سعة انتشــارها أن استخدمها المصريون في مراسلاتهم الرسمية ، كما كتب بها أيضا الأخمينيون ( الفرس). ويتراوح عدد الإشارات المسمارية التي استخدمها الأكاديون بين (200 ــ 400 ). علما بأن الســــــومريين كانوا يستخدمون قرابة ألف إشارة. وتنقســــــم النصوص الأكاديـــة المحفوظة إلى أنواع متعددة، فهنالك نصوص دينية تشتمل على أدعية وتراتيل وتكهنات، و نصوص تجارية تضم عقودا ومعاملات، و نصوص أدبية وثقافية ومراسلات ومعاهدات وقوانين، مثــــل:
( شريعة حمورابي )..


وقد استعمل السومريون والأكاديون في كتابتهم على الرّقُم الطينية أقلاما من القصب، وكانت الرقم بعد أن يكتب عليها تُجفف بالتعريض للشمس أو النار كي تكتسب صلابة وقسوة، كما كانت هنالك مواد أخرى أصغر حجما تستعمل للكتابة كالمعادن والشمع.

ظلت الكتابة المسمارية تزدهر وتنتشر، ثم ما لبثت أن أخذت في الانحسار، خصوصا عندما سقطت عاصمة الآشوريين ( نينوى) عام 612 ق.م على أنها ظلت مستعملة في بابل إلى نهاية العهد السلوقي، أما تاريخ آخر الكتابات المســــــمارية فيرجع إلى منتصف القرن الميلادي الأول، ومما لا ريب فيه أن السبب الذي أدى إلى انحســارها إنما هو ظهور الكتابة الأبجدية التي تمتاز بالسهولة والبساطة.

3 ــ مرحلة الكتابة الأبجدية

ليس هناك أمور يقينية حول عملية الانتقال من الكتابة المقطعية إلى الكتابة الأبجدية، وإن كانت هنالك نظرية تقول: إن الكتابة المصرية التصويرية المقطعية تطورت جزئيا ، بحيث أدت إلى ظهور الأبجدية، فالرمز التصويري الخاص بالماء ويلفظ nu أصبح يدل على صوت النون بأي حركة تحرك ، والرمز التصويري الخاص بالفم ويلفظ r'i أصبح رمزا لصوت الراء بأي حركة تحرك . إن عملية استخدام الصورة للدلالة على الصامت الأول من الكلمة، وتدعى acrophony ، كانت الخطوة الأولى نحو الأبجدية، وهذه بعض لصور التي استخدمها المصريون لتمثيل الصوامت consonants في لغتهم:

همزة

واو

ب

ف

م


ن

د

ك
ولئن كان المصريون قد استخدموا النظام الأبجدي جزئيا فإنهم لم يتخلوا مطلقا عن النظامين التصويري والمقطعي على الإطلاق، وهذا يعني أن النظام الأبجدي الكامل لم يظهر بعد. لكن الأمر المهم هنا هو أنهم أثروا في الكتابة السينائية / الكنعانية الأم حوالي 1700 ق.م، وقد عثر العلماء في مناجم الفيروز، بمنطقة سربيط الخادم، على نقوش استخدمت فيها أقل من ثلاثين إشارة ، وهذا برهان واضح على أن النظام الأبجدي قد انبعث حقا. إن الأبجدية السينائية كانت الأساس الذي ارتكزت عليه الأبجدية الفينيقية والأبجدية الإغريقية

بقي علينا أن نشير إلى أنه في تلك الأثناء كانت هناك محاولة أخرى في الشــــــمال ترمي إلى استخدام النظام الأبجدي، فالتنقيبات الأئرية التي تمت في أوغاريت ( رأس شمرا) كشفت عن نصوص مكتوبة بالخط المسماري، إلا أنها تعتمد النظام الأبجدي :
تلك هي قصة الكتابة، سردناها باختصار شديد لتكون شاهدا على عبقرية العرب، وبرهانا على دورهم الرائد في الحضارة الإنسانية.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية