عبد الرحمن دركزللي

Linguistic studies. Short Stories. Literary. Grammer

صورتي
الاسم:
الموقع: الإمارات العين, الجمهورية العربية السورية حلب, Syria

مدرس اللغات القديمة بجامعة حلب، معار إلى جامعة الإمارات، 0507301891 adarkazalli@uaeu.ac.ae يرجى استخدام الوصلة التالية للاطلاع على مقالات أدبية وقصص مترجمة للمؤلف http://darkazalli.blogspot.com

2007/07/08

الترادف في اللغة


الترادف في اللغة

الدكتور عبدالرحمن دركزللي
مدرّس اللغات السامية القديمة
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة حلب


مقـدّمـــة


يعدّ الترادف من الظواهر البارزة في اللغات عموماً وفي العربية خصوصاً وعلى بروزه ووضوحه لم يلق – في العربية – حتى يومنا هذا مايليق به، فمعظم الذين درسوه اكتفوا بإيراد الأمثلة وسوق الملاحظات الساذجة والوقوف عند ماانتهى إليه الأقدمون. لذلك رأيت أن أعرضه بأسلوب عصري معتمداً على المنهج المقارن، مستفيداً من الدراسات الأجنبية، ومن اطّلاعي المتواضع على اللغات الساميّة. ومن عجب أن علماء اللغات السامية – على طول باعهم – لم يعالجوا هذه الظاهرة ولم يتصدّوا لتفسيرها !.. ولعل هذا السبب هو الذي دفعني إلى معالجتها ووضعها في إطارها الصحيح. ولسوف أتناول الموضوع وفقاً للتسلسل التالي: 1- المصطلح 2- الشواهد (من العربية وسائر الساميّات) 3- وظيفة الترادف 4- غزارة الترادف في العربية 5- الخلاف حوله 6- عيوب الترادف 7- كيفيّة نشوء الترادف.


---------------------
ورد هذا البحث للنشر في المجلة بتاريخ / /2001


1- المُصطلح
الترادف في الاصطلاح اتفاق كلمتين – أو أكثر – في المعنى، وهو مأخوذ في اللغة من أصل حِسّيّ: الرِدْف أي الكَفَل أو العَجُز، وعندما نقول ألفاظ مترادفة فالمراد أن كلاًّ منها يتبع الآخر ويأتي بعده. ويقوّي هذا المذهب عندي أن العرب أخذت من العَقِب، وهو أصل حِسّي أيضاً، الفعلَ "تعاقبَ" أي جاء على أعقاب الآخر. على أن كلمة "رِدْف" اكتسبت دلالات لاحقة (1)، منها:
أ- الردف: الراكب خلف الراكب (كالمُرتدِف والرديف).
ب- الردف: التابع (كل ماتبع شيئاً فهو ردفه).
ج – الردف: جليس الملِك (يجلس عن يمينه، ويشرب بعده، ويخلفه على الناس إذا غزا، ويقعد موضعه إذا غاب).
وفي القرآن الكريم : " فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين " [الأنفال9] أي متتابعين.
أما في الإنكليزية فكلمة synonymy ، وهي إغريقية الأصل، مركبة من جزأين: syn " مثيل " + nymy "اسم" (2).
2- الشواهــد
شواهد الترادف في العربية لاتكاد تُحصى، ولكنني سأوردها في مجموعات ثلاثية بغرض التنظيم: (هزئ / سخِرَ / تهكّم)، (العطف/ الرأفة/ الإشفاق)، (الجُود/ الكرم/ السخاء)، (مريض/ سقيم/ عليل)، (فرح/ سرور/ حُبور)، (عطش/ ظَمَأ / صدى) (بطولة/ شجاعة / بسالة ) (كِبْر / غرور / صَلَف). (فقر/ فاقة / إعواز) ، (صبر / حِلْم / أناة)، (قبّل / لثِم / باس)، (الموت / الرَّدى / الحِمام) … إلخ. ومن أمثلة الترادف في الشعر:
وعند المُقلّين السماحة والبذْلُ (3)تَسُحّان سحّاً من عطاء ونائل (4)لايرقبون بنا إلاًّ ولا ذِمما (5)فما نفع البكاء ولا النحيب (6)جهلاً تلوم على الثَّواء وتعذِلُ (7)عُمَرٌ ونَبْوةَ من يضنّ ويبخلُ (8)

على مُكثريهم رزق من يعتريهمُتحين بكفّيه المنايا وتارةًإنّ الوشاة كثير إن أطعتهمْبكيت على الشباب بدمع عينيوسفيهة هبّت عليّ بسُحْرةٍإنّي كفاني أن أعالج رِحلةً
- أما شواهد الترادف في القرآن فموجودة وإن ذهب قوم(9) إلى عدم وجودها ولسوف أثبت معظمها كي تكون برهاناً حسّياً على وجود الترادف فيه من جهة ، ولأنني لم أجد أحداً قد صنع ذلك من قبل :
" الذين يُوفون بعهدِ الله ولا ينقضون الميثاق " . [ الرعد 20 ] .
" لاترى فيها عِوَجاً ولا أَمْتاً " [ طه 107 ].
" ألم يعلموا أنّ الله يعلم سِرّهم ونجواهم " [ التوبة 78 ].
" والذين كفروا بآيات ربّهم لهم عذابٌ من رِجْزٍ أليم " [ الجاثية 11 ] .
" فرَجَع موسى إلى قومه غضبانَ أسِفاً " [ طه 87 ] .
" ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم " [ الحجرات ] .
" ما ضلّ صاحبُكم وما غوى " [ النجم 2 ] .
" إنّهم كانوا أَظْلمَ وأَطغى " [ النجم 52 ] .
" والساعةُ أَدْهى وأَمَرُّ " [ القمر 46 ] .
" وخَلَق الجانَّ من مارج من نار " [ الرحمن 15 ] .
" واللهُ لايُحِبُّ كلَّ مُختالٍ فَخور " [ الحديد 23 ] .
" وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء أبداً " [ الممتحنة 4 ] .
" وإنْ تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم " [ التغابن 14 ] .
" تدعو من أدبرَ و تولّى " [ المعارج 17 ] .
" لِكلّ جعلنا منكم شِرْعة و منهاجاً " [ المائدة 48 ] .
" وجَمَعَ فأَوْعى " [ المعارج 18 ] .
" ثم عَبَسَ و بَسَرَ " [ المدّثّر 22 ] .
" فتاب عليكم وعفا عنكم " [ البقرة 187 ] .
" ربَّنا فاغفِر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا " [ آل عمران 193 ] .
" لاتأخذه سِنة ولا نوم " [ البقرة 255 ] .
" فمن اضطُرّ غير باغٍ ولا عادٍ " [ النحل 115 ] .
" فأتبعهم فرعونُ وجنوده بَغْياً و عَدْواً " [ يونس 90 ] .
" مالك من الله من وليّ ولا نصير " [ البقرة 120 ] .
" وإنْ مسّه الشرّ فيؤوس قَنوط " [ فصّلت 49 ] .
" ويعلم مُستقرّها ومستودعها " [ هود 6 ] .
" ولا تَعْثَوا في الأرض مفسدين " [ هـود 85 ] .
" قال إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله " [ يوسف 86 ] .
" ويخشون ربَّهم ويخافون سوء الحِساب " [ الرعد 21 ] .
" اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي " [ المائدة 3 ] .
" وما الحياة الدنيا إلاّ لعب و لهو " [ الأنعام 32 ] .
ومع كثرة ماورد في القرآن من المترادفات فإن بعض العلماء يزعم أنه خِلْو منه لاعتقادهم بوجود فروق بين هذه الألفاظ. فالخوف عندهم غير الخشية (10)، والشحّ غير البُخل(11)، والسبيل غير الطريق(12)، وجاء مختلف عن أتى(13) ، والقعود غير الجلوس(14)، والتمام غير الكمال (15).
وفي اللغات السامية الأخرى ترادف كثير يحتاج إلى جمع وتصنيف ودرس وسأقتصر على ضرب أمثلة قليلة جداً منه لأن المقام لايسمح بذلك.
الأكادية (16)
سرير zigarrû / gisnû / ersu / dunnu
ذهب hurasu / zalhu / zuzu
ثوب alluru / adilu
حمـار imeru / kibbsu
غنمة sēnu / immeru
قطْع nakāsum / parāsum
رجوع nahasum / tārum
فرح tābum / hadūm
أخذ leqūm / ahāzum
الأوغاريتية (17)
مسكن qrs / mtb / msknt
حمار phl / cr / hmr
جميل mlh / ysm
حِزام hbs / izr
ولد ncr , bn , wld
مدينة qrt , gmr , cr
صديق rc , mdc , hbr
كلب inr , klb
منام hdrt , dhrt , hlm
أكلَ trm , sp , lhm , kl
شرِبَ سty , sqy
تراب cpr , cmr
سكنَ skn , ysb
عين cp cp , cn
العبريّـة (18)
غضب harōn , zācm , sācar , zācaf
حزِنَ sāfad , ānā , hit ōnēn , ābēl , qōnēn , āsēb
طارَ cāf , nāsā , himrī , tāš , dā a , he ebīr
ضحك śāhaq , sāhaq , hilcīb , lās
ملاّح hōbēl , mallāh
عَمِل cāśā , cāmal


السُّريانيّة (19)
غضب rūcāmā , rgīzūtā , zūcāfā
رهبة sūrādā , qēntā , rhībūtā
فرح rūgrāgā , hwīhūtā , rwāzā , rwāhā
شهـوة sawyūtā , sbūtā , šrīhūtā
ظُلْم cāšūqūtā , cšūmyā
3- وظيفة الترادف في اللغة
ليس الترادف ضرباً من العبث أو نوعاً من الحلية، وإنما هو ظاهرة ذات دور عظيم الفائدة، ولكي يتضح لنا هذا الدور ينبغي لنا أن نعدّد فوائده ونسرد مزاياه، وهي أنه:
(أ) يزيد من مقدار الثروة اللغوية، وهذا مصدر فخر وإعجاب (20) عند بعضهم وإن كان مبعث نقد عند الآخرين.
(ب) يمنح الكلام رونقاً وحيوية؛ فمن خلال التنويع اللفظي يكتسب الكلام جاذبية، وهذا يطرد عن السامع (أو القارئ) الملل وينفي عنه السأم، ولو أن اللغة خلت من الترادف لغدا حديث الناس متشابهاً إلى حدّ بعيد.
(ج) يشفّ عن ذوق المتكلّم ومدى ثقافته ورهافة مشاعره، ذلك أن المتكلّم يتخير ألفاظه وفقاً لذوقه الخاص كما يفعل الجوهري عندما ينتقي الحجارة الكريمة أو المعادن الثمينة لصناعة حليّه.
(د) يساعد الشاعر على النظم ويساعد الناثر على السجْع. ولكي يتّضح لنا ذلك نسوق بعض الأمثلة : أراد عنترة(21) في معلقته أن يعبر عن فكرة أنّ الرماح تنهال على صدر فرسه كالحبال التي تُرسل في البئر، ولا بد أنه حين وصل إلى قوله :
يدعـون عنتـر والرمـاح كأنهـا أشطان بئـر في لبــان [ ]
كان محتاجاً إلى كلمة بمعنى [حصان] مختومة بميم وعلى وزن معيّن، ولولا وجود مترادفات للحصان من طراز : (جواد، فرس، نَهْد، سابح، سرحوب، طِمرّ، يعبوب، سلهب، أدهم…)(22) لكان مضطراً إلى نقض بناء البيت أو العدول عن الفكرة وربما عن الصورة الفنيّة الرائعة، وفي ذلك خسران للأدب والفنّ. وهذا ينطبق على المتنبي(23) أيضاً حين أراد أن يعبّر عن فكرة أن رحيل الأحبة هدّ جسمه وحال بينه وبين النوم، فقال:
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدنـي وفرّق الهجر بين الجفن و [ ]
ولا ريب أن كلمة النوم هنا لاتصلح لسدّ الفراغ ولكن مرادفاتها اشتملت على ماهو مناسب (النُعاس، الكرى، الهجود، الرُقاد، الوسن..)(24) ولولا وجود [الوَسَن] في اللغة لضاع التصريع ولاضُطرّ الشاعر إلى نقض بناء البيت. ونحن لانقول إن المتنبي فتح كتب اللغة ووضع المترادفات أمامه، بل نقول إن ذاكرته القوية أو ذخيرته اللفظية أسعفته في هذا الموضع الحرِج وأمدّته بما هو صالح لهذا المقام.
(هـ) يضفي على الكلام قوة. لأن الترادف نوع من التكرار في المعنى، وفي التكرار توكيد. إن كلمة " الطَرَب " في قول عمر بن أبي ربيعة :
وأنتِ قُرّةُ عيني إن نوىً نزحـت ومُنيتي وإليك الشوقُ والطَرَبُ (25)
لم تحمل معنى جديداً، وإنما أكّدت مفهوم الشوق تأكيداً معنوياً. وهذا ينطبق أيضاً على قول الآخر:
فلمّا أن طغوا وبغوا علينا رميناهم بثالثة الأثافــي (26)
(و) يساعد على الشرح والتفسير، وهذا معروف لدى المشتغلين بصناعة المعجم(27)، فهم يستخدمون الترادف لتوضيح معاني الألفاظ أحياناً، مثال ذلك ماقاله الرازي في تفسير كلمة طبْع وكلمة شجن " الطَّبْع : السجيّة التي جُبِل عليها الإنسان " (28).
" الشَّجَن : الحُزن، والجمع أشجـان ".
( ز ) يساعد الألثغ(29) على التخلّص من عيوب النُطق.. وخير مثال على ذلك ماجاء عن واصل بن عطاء الذي كان يعاني من لثغة قبيحة في الراء وكان يخلّص كلامه منها من غير أن يفطن إليه أحد، فهو يقول أعمى بدلاً من ضرير، وقمح بدلاً من بُرّ، ومضجع بدلاً من فراش. وأخباره مشهورة رواها الجاحظ(30) والمبرّد(31) .
( ح ) يسعف الذاكرة عند النسيان. ومن ألطف الأخبار التي توضح ذلك أنّ المازني(32) سمع أبا سرار الغنوي يقرأ : " وإذ قتلتم نَسَمةً فادّارأتم فيها " [البقرة 72]، فقال له: إنّما هي نَفْساً فادّارأتم .. فقال : النسَمةُ والنفْس واحد" (32). وأغلب الظن أن هذا السبب هو المسؤول الأوّل عن تعدد الروايات في الشعر العربيّ للبيت الواحد :
ألا أيّهذا الزاجري / اللائمي أحضُر الوغى(33) *
* وإن تقتنصني / تلتمسني في الحوانيت تصطدِ (34)
* وإن كنتِ قد أزمعت صرمي / هجري فأجملي (35)
(ط) ينقذ المتكلّم من الحَرَج ويعصمه من الوقوع في المحظور اللغوي، فمن المعروف أن اللغة تشتمل على ألفاظ محظورة taboo (وهي التي تتّصل بالموت أو المرض أو الجنس أو القذارة)، لذلك تأتي المترادفات لتنقذ الناطق من الحَرَج، وقد استخدم القرآن الكريم (36) مثل هذا :
" ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد " [ البقرة 187 ]
" أُحِلّ لكم ليلةَ الصيامِ الرَّفَثُ إلى نسائكم " [ البقرة 187 ]
وعندما سئل حسان بن ثابت عن شعر الحطيئة في الزبرقان أجاب قائلاً : " هجاه وسَلَحَ عليه " (37).
(ي) يفسّر كلمة غامضة .. وقد عبر عن ذلك أحدهم قائلاً : " قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر، فيكون شرحاً للآخر الخفيّ "(38). ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر :
جليدٌ كريمٌ خِيمُه وطِباعُـــه على خير ماتُبنى عليه الضَّرائبُ (39)
وقول الأخطل:
قد كشّف الحِلْمُ عني الجهل فانقشعت عني الضبابةُ لانِكْسٌ ولا وَرِعُ(40)
ومن هذا القبيل قوله (ص): " ليس المؤمنُ بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء " (41).
4- غزارة الترادف في العربيّة :
ممّا لاريب فيه أن العربيّة من أغنى اللغات بالترادف.
* فالداهية مثلاً لها مايربو على أربعمئة اسم(42)، وقد جمعها حمزة، فلما رآها كثيرة صرّح بقوله: " إنّ تكاثر أسماء الدواهي من إحدى الدواهي " (43)، ومن أشهر أسمائها أو مترادفاتها (نازلة، نائبة، حادثة، داهية، بائقة، حاطمة، فاقرة، غاشية، قارعة، حاقّة، طامّة، صاخّة، عنقفير، خنفقيق، دردبيس، قمطرير …).
* وللسيف في العربية مئة وخمسون اسماً (44)، من أشهرها: (الصارم، القضيب، الصمصامة، المِقْضب، المِعضد، الجُراز، المَشْرفيّ، العَضْب، الحُسام، المُذكَّر، المُنْصُل، الهِنْدوانيّ، الصقيل، الأبيض، المِخْذَم …).
* وللعسَل ثمانون اسماً (45)، من أبرزها: (الضَّرَب، الشُّهْد، الشَّوْب، الأَرْي، الماذيّ، الرُّضاب، السُّلْوان، اليعقيد، الطِرْيَم، الحَلَب، الرَّحيق، السُّلاف، العِكْبر، ريق النحل، قَيْء الزنابير، الشَّوْر…).
* وللحجَر سبعون(46) اسماً، (الفِهْر، الصَّلاية، المَداك، المِلطاس، المِرداس، المِرجاس، البَلْطة، الرِّجام، المِدماك، النُصُب، الهَوْجَل، القُداس، الآرام، اليَرْمع، البِرْطيل، الدُّملوك، الصَّلْدَح، الصيخود ..)(47).
* وللكلب قرابة سبعين اسماً (48)، ويروى أن أبا العلاء المعري دخل يوماً على الشريف المُرتضى، فعثر برجل، فقال الرجل: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لايعرف للكلب سبعين اسماً (49). وقد تتبّع السيوطي هذه الأسماء في كتب اللغة، فحصّلها ونظمها في أرجوزة (50). ومن أشهرها : (الباقِع، الأبقع، الخَيْطَل، العُرْبُج، الدِّرْباس، العَمَلَّس، القُطْرُب، الفَلْحَس، الهِبْلَع، الهَجْرَع، القَلَطيّ، السَّلوقي، العَوْلق …).
ومن الجدير بالذكر أن بعض اللغويين صنفوا في الفروق، ومنهم :
* الصاحب بن عبّاد … ألّف " كتاب الحَجَر " (51).
* الأصبهاني … جمع أسماء الحجر في كتاب " المُوازنة " (52).
* ابن خالويه … ألّف كتاباً في أسماء الأسد، وكتاباً في أسماء الحيّة (53).
* الفيروزابادي … ألّف كتاباً في الترادف، سمّاه: " الرَّوض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف".
كما ألّف كتاباً في أسماء العَسَل، دعاه: " ترقيق الأسَل لتصفيق العسل"(54).
* السيوطي … نظم أرجوزة في أسماء الكلب، سمّاها: " التبرّي من معرّة المعرّي"(55).
* دوهامر De Hammer … جمع الألفاظ التي تتعلّق بشؤون الجمل، فأحصى منها مايربو على 5644 لفظاً، وقد استغرب رينان Rénan من كثرتها (56).
5- الخلاف حول الترادف
نشب بين علماء العربية خلاف حول الترادف، فبعضُهم نفى وجوده وأنكره، وبعضُهم أثبته وأقرّه .
* فأبو عليّ الفارسيّ(ت377هـ) .. التقى – في بلاط سيف الدولة بحلب – بجماعة من أهل اللغة وفيهم ابن خالويه. فقال ابن خالويه (مزهوّاً) : أحفظ للسيف خمسين اسماً، فتبسم أبو علي وقال: ما أحفظ له إلاّ اسماً واحداً وهو السيف. قال ابن خالويه: فأين المهنّد والصارم وكذا وكذا ؟!.. فقال أبو عليّ: هذه صفات، وكأنّ الشيخ لايفرق بين الاسم والصفة (57).
* وابن فارس (ت395هـ) (وأستاذه ثعلب) يعترف بالترادف ويعتزّ بوجوده ويرى أنه دليل على إبانة العربية وسَعتها وبُعد غَوْرها بيد أنّه يرى أن الأصل في المترادفات اسمٌ واحد وأمّا ماتبقى فصفات كما يرى أن هذه الصفات ليست متطابقة تماماً لوجود فروق طفيفة بينها وقد أعرب عن ذلك بقوله: "ويُسمّى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة، نحو: السيف والمهنّد والحُسام. والذي نقوله في هذا: إنّ الاسم واحد هو السيف وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أنّ كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى… وبهذا نقول وهو مذهب شيخنا أبي العبّاس أحمد بن يحيى ثعلب " (58).
أمّا الذين قالوا بالترادف فلهم حجّة واحدة، وهي أنّ الواقع اللغوي يشهد على وجوده، ولو لم يكن في اللغة ترادف لما جاز لنا أن نضع لفظة مكان أخرى: "ولو كان لكل لفظة معنىً غيرُ معنى الأخرى لما أمكن أن يُعبّر عن شيء بغير عبارته، وذلك أنّنا نقول في لاريب: لاشكّ؛ فلو كان الريب غير الشك لكانت العبارة عن معنى الريب بالشك خطأً ، فلمّا عُبّر عن هذا بهذا عُلِم أن المعنى واحد " (59).
وأما حُجج من أنكر الترادف فثلاث، هي :
(أ) الترادف على خلاف الأصل… يريدون بذلك أن الأصل – في الوضع اللغوي- أن يكون للشيء اسمٌ واحدٌ فقط، إذ إن تسمية الشيء الواحد باسمين، أو أكثر، مدعاة للخلط واللبْس، وهذا ينطبق على أسماء البشر أيضاً فلو كان للرجل الواحد اسمان لأحدث ذلك خلطاً وبلبلة، قال البيضاوي: "الترادف على خلاف الأصل، والأصل هو التباين " (60). وهذه الحجة في الحق حُجّة منطقية محضة لأنّ الواقع اللغوي (الاستخدام الفعلي) يدحضها قال قطرب: " إنما أوقعتِ العربُ اللفظتين على المعنى الواحد ليدلّوا على اتساعهم في كلامهم "(61). وعند بلومفيلد أن وجود اسمين لمعنى واحد أمر غير ممكن: " إذا اختلفت الصيغ صوتياً وجب اختلافُها في المعنى " (62) فهو إذاً يرى أنه لاترادف في اللغة. وقد سبقه إلى ذلك ابن درستويه الذي صرّح قبله بألف سنة بقوله: " مُحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد " (63).
(ب) المترادفات صفات في الأصل … والدليل على ذلك أنها على وزن المُشتقات وفضلاً عن ذلك احتفظت النصوص أحياناً بها على الأصل الذي كانت عليه، فطرفة بن العبد في الأبيات التالية يستخدم كلمة "حسام" مرتين: الأولى كصفة والثانية كاسم.
- فآليت لاينفك كشحي بطانــة لِعَضْبٍ رقيق الشفرتين مُهنَّـــدِ
- حُسامٍ إذا ماقمت منتصِراً بـه كفى العَوْدَ منه البدءُ ليس بمعضد
وظُلْم ذوي القُربى أشدُّ مضاضةً على النَفْس من وقع الحُسام المُهنَّدِ (64)
ومن الجدير بالذكر أن العرب تحذف الموصوف وتُبقي الصفة أحياناً، وفي هذا ضرب من البلاغة :
وقد أغتدي والطير في وكناتهـا بمنجردٍ قيدِ الأوابد هيكل (65)
أراد: بحصان منجرد. وهذا ماساعد على تحوّل الصفة إلى اسم وعمل أيضاً على نشوء المترادفات.
(ج) وجود فروق بين المترادفات … وهذه الحجة من أقوى الحجج التي أوردها منكرو الترادف، وبوسعنا أن نحصر هذه الفروق في الأنواع التالية :
* الفرق في الكيفية .. مثال ذلك: (قعد / جلس) قال ابن فارس: " إنّ في قعد معنى ليس في جلس، ألا ترى أننا نقول: قام ثم قعد … ثم نقول: كان مضطجعاً فجلس، فيكون القعود عن قيام والجلوس عن حالة هي دون الجلوس "(66). وفي الإنكليزية يميّزون أيضاً بين rob / steal " سرق / سَلَبَ " (67).
* الفرق في الحالة … مثال ذلك: (كأس / كوب). قال ابن فارس: "وكذلك الكأس لاتكون كأساً حتى يكون فيها شراب، وإلاّ فهي قدح أو كوب " (68). ومنه أيضاً : (مائدة/ خوان". قال الثعالبي: " ولا يُقال مائدة إلاّ إذا كان عليها طعام وإلاّ فهي خِوان " (69). وفي الإنكليزية يميّزون أيضاً بين street / road (طريق / شارع ) (70) .
* الفرق في الاعتبار (زاوية النظر)، مثال ذلك (إنسان/ بشر)، قال التاج السبكي: "الأول موضوع له باعتبار النسيان أو باعتبار أنه يُؤْنِس والثاني باعتبار أنه بادي البَشَــرة " (71).
* الفرق في الاختصاص. ومثاله (عمل / فعل) فالأول يدل على إبطاء، والثاني يدلّ على إسراع(72) ، قال تعالى :
" وعملوا الصالحات " [ البقرة 25 ] أي واظبوا وثابروا على فعلها.
" يعملون له مايشاء " [ سبأ 13 ] أي دام عملهم له أمداً من الزمن.
" ويفعلون مايؤمرون " [ يس 71 ] أي ينفّذون أمره بلمح البصر وينقلون المدن بأسرع من أن يقوم القائم من مكانه.
" ألم تر كيف فعل ربك بعاد / بأصحاب الفيل " أي من غير بطء
" والذين هم للزكاة فاعلون " أي أنهم لايتوانون في دفع حاجة الفقير.
وقد أُعجب الزركشيّ بهذه الدقّة في الأسلوب القرآني، فعلّق عليها قائلاً : " فهذا هو الفصاحة في اختيار الأحسن في كل موضع " (73).
وفي العصر الحديث تصدّت بنت الشاطئ لمثل هذا النوع من الألفاظ، فرأت أن الشعر يتسامح في الاستعمال بين (أقسم / حلف) بخلاف القرآن الكريم الذي يميّز بينهما، فيجعل القَسَم خاصّاً بالصادقين والحلف خاصّاً بالكاذبين " العرب تقول حلفة فاجر وأُحلوفة فاجر، ولم يُسمع حلفة برّ وأحلوفةٌ صادقة إلاّ أن تأتي في بيت شعر " (74). ومن الأمثلة القرآنية :
" يحلفون بالله ماقالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر " [ التوبة 74 ]
" فلا أُقسِم بربّ المشارق والمغارب إنا لقادرون " . [ المعارج 40 ] .
وهذا الاختصاص لايقتصر على الأفعال بل يشمل الصفات أيضاً، فأنت تقول: رجل طويل ولا يجوز لك أن تقول رجل مُسْهَب، وتقول : نسيم عليل ولا يجوز لك أن تقول نسيم مريض . كما يشمل الأسماء، تقول لدي رغبة في السفر ولا تقول: لدي شبق إلى السفر.
ومثل هذا موجود في الانكليزية أيضاً، نحو : profound / deep "عميق". وهم يقولون deep water لكنّهم لايقولون(75) profound water وكذلك الأمر مع freedom / liberty "حرّيّة"(76) فبوسعك أن تستخدم الأولى منهما في عبارة I am not at (liberty) to tell you "ليس مسموحاً لي أن أخبرك " بخلاف الثانية. وكذلك busy / occupied "مشغول" فأنت تستطيع أن تستخدم أية واحدة منهما في عبارة I’m afraid Mr. Smith is busy / occupied " آسف .. السيد سميث مشغول " ولكنك لاتستطيع أن تستخدم في عبارة من طراز This seat is ( ) إلا occupied، أمّا busy فاستخدامها خطأ (77).
* الفرق في العاطفة .. ولكي يتضح لنا سنأخذ المجموعة التالية من المترادفات: (زميل/ رفيق/ صديق/ أخ ..) وهي ألفاظ تشترك في جانب معيّن ألا وهو وجود علاقة طيّبة بين شخصين، ولكنها تختلف في المستوى أو الدرجة ذلك أن زميلي تعني أنه مجرد شخص يعمل معك في مكان معين. أما صديقي / رفيقي فتدل على علاقة أقوى إذ تطلقها على شخص كان يلعب أو يسافر أو يدرس معك، بخلاف أخي فإنك تطلقها على شخص تقوم بينك وبينه علاقة محبة واحترام وثقة. ومن هذا القبيل كلمتا little / small "صغير" (78) في الإنكليزية، فأنت تقول: My little boy " ولدي الصغير " وتقول My small house "بيتي الصغير" ومع ذلك فإذا كنت تحب بيتك وتربطك به مشاعر أو ذكريات فمن المُباح لك أن تقول My delightful little house "بيتي السعيد الصغير".
* الفرق في مجال الاستعمال … من الملحوظ أن هناك كلمات تشيع في الشعر خاصة أكثر من شيوعها في النثر مع أنها مترادفة، مثال ذلك الكلمات الثانية من المجموعات التالية : (الكَرَم / الندى)، (النَوْم / الوسن) (الأرق / السُّهاد)، (الناس / الأنام) (الموت/ الردى) (العقل/ الحجا). (القلب/ الفؤاد) (الحب/ الهوى) (الفراق/ النوى) … إلخ. ويدخل في هذا الصنف مجموعات من طراز (فرح/ سرور)، (رفس / ركل) (أمن/ طمأنينة) (غلط / خطأ) (طوق/ عقد) (رقبة / عنق) (ملل/ سأم) (إذ تستخدم الكلمات الأولى منها في الحديث الشفوي بخلاف الكلمات الثانية إذ تُستخدم في الكتابة على نطاق واسع. وفي اللغة الإنكليزية نجد مثل هذا التمييز بين المترادفات، فهم يشيرون إلى الكلمة السوقيّة في المعجم بـ informal "سُوقي" تمييزاً لها عن الكلمة الرسمية formal ومن هذا النوع الكلمة الثانية من المجموعات التالية : kid / child " غلام / صبيّ"، icebox / refrigerator " برّاد "، dad / father " أب " . ref / referee " حكَم رياضي " .
* الفرق بين أهل الاختصاص وسواهم … ومن أمثلة هذا النوع (رقم / عدد) (كواكب / نجوم) (ذهَب / تِـبْر) إن هذه الألفاظ تبدو لدى الإنسان العادي مترادفة، ولكن أهل التخصص يلحظون فروقاً بينها، فالكوكب يستمد ضوءه من غيره، بخلاف النجم الذي ينبعث الضوء منه كالشمس مثلاً. والتبر يختلف عن الذهب، إذ إنه ماكان من الذهب غير مضروب (79).
* الفروق في الاتجاه .. ومن أمثلته (حياء / خجل) (حَسَد / غبطة) (منام/ رؤيا) إن هذه الألفاظ قد تبدو مترادفة ولكنها، عند الفحص الدقيق، مختلفة. لأن الألفاظ الأولى تتجه اتجاهاً سلبياً بخلاف الثانية، فالحياء مستحب أما الخجل فمكروه. والحَسَد شرّ لأنه تمني زوال النعمة من مستحقها وربما كان مع سعي في إزالتها بينما الغِبْطةُ تمنّي مثلِ ماله من غير أن يغتمّ لنيل غيره (80).
ومما تقدّم يظهر لنا أن المترادفات ليست ألفاظاً متطابقة وإنما هي متقاربة في المعنى. أما التطابق التامّ فنادر جداً بل مستحيل، يقول أولمان: "الترادف التام – بالرغم من عدم استحالته – غير موجود " (81) ويترتب على هذا أن الشرط الذي اشترطه بعضهم للترادف، وهو أن يكون اللفظان قابلين للتبادل interchangeable في جميع السياقات، أمرٌ عزيز جداً. يقول بالمر: " من المؤكد أنه لايوجد ترادف تام وهذا نتيجة لازمة عن الفكرة القائلة إنه لاتوجد كلمتان بمعنى واحد " (82). وفي الدراسات الأجنبية يميّز اللغويون بين نوعين من الترادف (83): الترادف التام strict synonymy والترادف غير التام loose synonymy ويُجمعون على أن الأول غير موجود في اللغة إذ لاحاجة لها به، يقول أولمان: "إن الترادف التامّ نوع من التَرَف لاتسمح اللغة بوجوده، وإذا صادف أن وقع فإنها تعمد إلى هدمه وتقويضه، وسرعان ماتظهر – بين المترادفات – فروق بحيث يغدو كل منها مناسباً للتعبير عن جانب واحد فقط " (84). ويوضّح لنا جاكسون ذلك بقوله: "لوحظ أنه إذا وقع ترادف تامّ في اللغة، سواء أكان من طريق الاقتراض أم من طريق آخر، فإن أمراً من اثنين لايلبث أن يحدث" (85) فإمّا أن يحدث نوع من التخصيص لأحد المترادفين وإما أن يصيب أحدهما نوع من الانقراض (الإماتة)، مثال الحالة الأولى (86) ماحصل في الإنكليزية عندما دخلت إليها الكلمة الفرنسية mouton " ضأن " في العصر الوسيط، ففي بادئ الأمر كانت ترادف الكلمة الموجودة أصلاً فيها وهي sheep ، ولكنها – بعد ذلك – تخصّصت، إذ أصبحت تُطلق على لحم الحيوان المذكور فقط. أما مثال الحالة الثانية (87) فهو كلمة reward "جائزة ". وهي كلمة فرنسية دخلت إلى الإنكليزية التي كانت تشتمل على كلمةٍ بمعناها هي meed ، بيد أنّ meed انقرضت من الاستعمال اللغوي مفسحة المجال للكلمة الأجنبيّة كي تحلّ محلَّها، ومن الجدير بالذكر ههنا أن هذه الظاهرة حدثت في العربية أيضاً : (اللِفْت / السَّلْجَم) (الهاوون/ المِهراس) (الجاسوس/ الناطس) (التوت/ الفِرصاد) (النرجس / العَبْهَر) (الياسمين / السَّمْسق) ( الباذنجان/ الأَنَب) (الرصاص/ الصَّرَفان) (88)….
6- عيوب الترادف
إذا كان للترادف – كما رأينا – محاسن جمّة فإنّ له عيوباً أيضاً، منها أنّه : (أ) ينشر الغموض في اللغة (لأنه يلغي الفروق القائمة بين الألفاظ)، ولتوضيح هذا أقول: إنّ الشاعر – حين يستخدم الترادف – لايُبالي بالفروق المعنوية الدقيقة بين الألفاظ، بل يهتم بالمفهوم العامّ لها، وأغلب الظن أن عنترة بن شدّاد حين قال:
كأنها أشطان بئر في لَبان الأدهم
لم يكن يقصد إلى القول إن حصانه أسود كما تعني الكلمة في اللغة وإنما أراد الحصان على وجه العموم. والمتنبي حين قال :
وما التأنيث لاسم الشمـس عـيب ولا التذكـير فخر للهــلال (89)
كان يريد أن يقول: للقمر، ولكن الضرورات (الوزن، القافية ..) ألجأته إلى هذه الكلمة، ومما لاريب فيه أن استخدام الشعراء للألفاظ على هذا النحو من التحرّر وعدم الدقة هو الذي فتح الباب على مصراعيه لنشوء الترادف وعمل من طرف خفيّ على إزالة مابين الألفاظ من فروق معنوية.
(ب) يؤدي إلى الحشو والفضول، ونحن إذا تأمّلنا استخدام الشعراء للترادف وجدناهم في كثير من الأحيان يستخدمونه استخداماً عبثيّاً مجرّداً من الفائدة، ومن هذا القبيل ماقاله المتنبي في مدح كافور :
فلو لم تكن في مِصر ماسرتُ نحوها بقلب المشوق المُستهام المُتيَّم (90)
ولعل جفاف مشاعره هو الذي حمله على تغطية ذلك الجفاف بنوع من التراكم اللفظي الذي لايُغني ولا يُسْمن، ومن هذا القبيل أيضاً قول أبي نواس:
إمام يسوس المُلك تسعين حجّة * عليه له منه رداء ومئزر (91).
(ج) يرهق المتعلّم (ولا سيما الأعجمي) لأنه يكلّفه عناء وشططاً من خلال اضطراره إلى تعلّم آلاف الألفاظ وهذا يورثه النفور ويدفعه إلى اليأس.
7- كيف نشأ الترادف في اللغة ؟
هناك عدة أسباب لنشوء الترادف في اللغة، وفي وسعنا إجمالها فيما يلي:
(أ) تعدّد الوضع .. "بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين، والأخرى الاسم الآخر، ثم يشتهر الوضْعان ويخفى الواضعان "(92). ومن الأمثلة على ذلك (قِدر / بُرمة ) (93).
(ب) تحوّل الصفات إلى أسماء .. "والذي نقوله في هذا أن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات " (94).
(ج) من دخول الألفاظ الأعجمية … ومن أمثلته (قبّل / باس)، (الجنة / الفردوس) (القَصْر/ البَلاط) . (الطعام / السُّور) (95) (المعبد / الهيكل) (المِرآة / السجنجل) (96).
وفي الإنكليزية أيضاً حصل مثل هذا، ويميّز علماء اللغة بين نوعين منه، الأول (انكليزي / فرنسي)، ومن أمثلته : (commence / begin) (97) " بدأ " (profound / deep) " عميق"(98)، (enter / go in) "دخل" (99).
والثاني (إنكليزي / فرنسي / لاتيني)، ومن أمثلته (consecrated / sacred / holy) "مُقدَّس"(100)، وفضلاً عن هذين النوعين هنالك ترادف لَهْجيّ (إنكليزي / أمريكي) (101) ومن أمثلته : (faucet / tap) "صُنبور الماء"، (elevator / lift) " مِصْعد". (candy / sweet) "حَلْوى"(102)، (cookie / biscuit) "بسكويت" (103)… إلخ .
(د) من الإبدال اللغوي: (عن كثب/ كثم)، (الجوى/ الجفا)، (عويص/ صعب)، (روع/ رعب)، (كشط / قشط ) .. إلخ.
(هـ) من نسيان الفروق المعنوية : (أعمى / أكمه) (104)، (كأس/ قدح)، (جلس/ قعد)، (ذراع / ساعد) (105).
( و ) من القلب المكاني: (عمود / دعامة)، (عزم/ أزمع)، (حمد / مدح)، (خبا/ باخ) (تفحّص / تصفّح) .. إلخ.
( ز ) من التطوّر الدلالي (الحرب / الوغى) (الزهر/ الورد) (106) (أسد / سبع) .
(ح) من الاستعمال الشعري المتسامح.
8- ملاحظات حول الترادف
(أ) الترادف ظاهرة لغوية عامّة (وليست قَصْراً على العربيّة).
(ب) قد تكون الكلمتان مترادفتين في زمن معيّن، ولكن الزمان يزيل علاقة الترادف بينهما، ويجعل كلاً منهما تختصّ بشيء معين. ففي عهد النبوة كانت (عرش/ كرسيّ) من المترادفات يؤيد ذلك القرآن الكريم : " ثم استوى على العرش " [الأعراف 54]، "وسع كرسيُّه السماوات والأرض" [ البقرة 255]. ولكن كلمة "كرسيّ" اليوم فقدت هذا المدلول. ولذلك زال الترادف بينهما.
(ج) وقد تكون الكلمتان من غير المترادف أصلاً، ولكن مرور الزمان يجعلهما من المترادف، مثال ذلك (سِكّين / مُدْية)، روي أن الرسول(107) (ص) وقعت من يده السكين، وكان معه أبو هريرة، فقال له: ناولني السكين يا أبا هريرة، فلم يُجب. فقال النبي مرة أخرى: ناولني السكّين. فلم يجب ثم التفت أبو هريرة وقال: المُدْيَة تريد؟ قال النبي: نعم.
(د) من شروط الترادف الاختلاف في اللفظ، أما مااختلف في الوزن فقط فلا يُعد منه، نحو (عبيد/ عباد) (أهل / آل) (مسّ / لمس) … إلخ.
(هـ) والترادف ليس خاصاً بالمفردات فقط وإنما هناك ترادف في العبارات والجُمل، فالعرب تعبر عن فكرة "جاؤوا جميعاً" بـ (جاؤوا الجَمّاء الغفير/ وجاؤوا قضَّهم بقضيضهم / وجاؤوا على بكرة أبيهم .. ) (108) وتعبر عن فكرة "عدم النظير" بـ (هو واحد عصره / جُحَيْش وحدِه / نسيج وحدِه / فريد زمانه / غُرّة أهلِه ..) (109) وعن فكرة "عفوت عنه" بـ (صفحت عنه/ تغمّدت ذنْبَه / تجاوزت عن خطئه / أَقَلْتُه عَثْرَتَه/ أنهضتُه من كَبْوَتِه / نعشتُه من سَقْطته ..) وكتاب " الألفاظ الكتابية " للهمذاني معجم لهذا النوع من المترادفات.
( و ) إن وجود الترادف في العربية لايقوم دليلاً على عدم دقتها أو عدم منطقيتها ولئن كان فيها ميل إلى الترادف (محو الفروق) فإن فيها أيضاً ميلاً أو نزوعاً إلى التفريق (إثبات الفروق) على نحو يدعو إلى العجب، وكتب اللغة حافلة بالأمثلة.
الحيّـات (110)
حية رقشاء لاتنفع معها رُقية ولا ترياق
الأفعى
العظيم من الحيات.
الثعبان
مايَصطاد من الحيات
الحَنَش
الذي فيه سواد وبياض من الحيات
الأرقـم
الأسود الأملس الخبيث من الحيات
الشجاع
الخبيث من الحيات
الحُباب
الذي يطير من الحيات
السّفّ
التـراب (111)
تراب وجه الأرض
الصعيد
التراب الرخو الرقيق كأنه ذريرة.
الدقعاء
التراب النديّ
الثرى
التراب الذي تحمله الرياح
السافياء
التراب الذي تراه على وجوه الناس وجلودهم
الهبـاء
التراب المختلط بالرمل
الرغام
ظاهر التـراب
العَفْر

المطـر (112)
الذي يجيء عُقَيْب المحل
الغيث
المطر الكثير القطر
الغَدَق
المطر المستمرّ
الودْق
المطر الأول
الوسمي
المطر الذي يُروي كل شيء
الجَوْد
المطر الضعيف
الرِّهْمة
المطر المفاجئ العنيف
البُعاق
النـــوم (113)
هو أول النوم
النعاس
ثقل النعاس
الوسـن
أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان
الكرى
النوم الخفيف
الإغفـاء
النـوم الطويل
الرقـاد
النوم العميق
الهجـوع
هو النوم وأنت تسمع كلام القوم
التغفيق
الحُــبّ (114)
أول مراتب الحب
الهـوى
حالة أقوى من الحب
العشق
شدّة الحب
الكلَف
أن يبلغ الحب شغاف القلب
الشغَف
احتراق القلب مع لذّة يجدها المُحبّ
الشعَف
ذهاب العقل من الهوى
التدليه
أن يهيم الرجل على وجهه لفقدانه عقله وغلبة الهوى عليه
الهُيام
إن هذا المَيْل الموجود في العربية إلى التدقيق يؤكّد لنا أمراً هاماً، وهو أن الترادف طارئ على العربية وأن الأصل فيها هو التدقيق والتفريق، وبعبارة أخرى أقول: إن الترادف كان رد فعل على الإغراق في الفروق كما كان وسيلة حيوية من وسائل اللغة استخدمتها للتسهيل والتيسير، ذلك أنّ الفروق مرهقة للذاكرة مضنية للعقل، على حين يتسم الترادف بالتسامح واليُسْر.

الحواشــــي
(1) الزبيدي، تاج العروس، (ردف) 6/114.
(2) JACKSON, WORDS AND THEIR MEANING, P. 64
(3) زهير، الديوان، 114.
(4) النابغة، الديوان، 156 .
(5) عمر بن أبي ربيعة، الديوان 335.
(6) أبو العتاهية، الديوان، 32.
(7) الأحوص، الديوان، 166.
(8) الأحوص، الديوان، 166.
(9) الأحوص، الديوان، 166 .
(9) ياسوف، جماليات المفردة القرآنية، 58- 60 .
(10) الزركشي، البرهان، 4/ 78.
(11) الزركشي، البرهان، 4/79.
(12) الزركشي، البرهان 4/80 .
(13) الزركشي، البرهان 4/80.
(14) الزركشي، البرهان 4/83 .
(15) الزركشي، البرهان 4/84.
(16) هذه الأمثلة مأخوذة من معجم VON Soden [ Ahw ] .
(17) هذه الأمثلة مأخوذة من كتاب Ugaritic Textbook تأليف Gordon .
(18) هذه الأمثلة مأخوذة من معجم Hebrew And English Lexicon تأليف Brown و Driver و Briggs .
(19) هذه الأمثلة مأخوذة من معجم Dictionaire Syriaque تأليف Costaz .
(20) ابن فارس، الصاحبي، ص 42، 43. والثعالبي، فقه اللغة 457.
(21) الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 359.
(22) الثعالبي، فقه اللغة، ص 238.
(23) ديوان المتنبي شرح العكبري 4/185.
(24) الثعالبي، فقه اللغة، ص 256
(25) ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق د. فايز محمد، ص 63 .
(26) الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ص 242.
(27) Palmer , Semantics, p. 88
(28) الرازي، مختار الصحاح ( ط ب ع ) .
(29) الرازي، مختار الصحاح ( ش ج ن ).
(30) الجاحظ، البيان والتبيين 1/14- 17، 21- 27، 29، 32- 33، 36، 3/356.
(31) المبرّد، الكامل. ص 547، 548.
(32) السيوطي، المزهر، 1/413.
(33) الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 192.
(34) الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص 186. وانظر ديوان طرفة ص 27. ط مكس سلفسون.
(35) الأنباري، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، ص 44، وديوان امرئ القيس تحقيق السندوبي ط/3 ، ص 147.
(36) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2/47.
(37) البغدادي، خزانة الأدب، 3/294.
(38) السيوطي، المزهر، 1/406 .
(39) الهمذاني، الألفاظ الكتابية، ص 162.
(40) ديوان الأخطل، تحقيق صالحاني ص 68.
(41) النووي، رياض الصالحين، 1563 (باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة).
(42) الثعالبي، فقه اللغة 457.
(43) الثعالبي، فقه اللغة 457.
(44) السيوطي، المزهر، 1/325.
(45) السيوطي، المزهر، 1/409.
(46) الثعالبي، فقه اللغة، ص 439.
(47) الثعالبي، فقه اللغة، ص 439. وابن فارس، الصاحبي، ص 44.
(48) تعريف القدماء بآثار أبي العلاء ص 429.
(49) تعريف القدماء بآثار أبي العلاء ص 429.
(50) تعريف القدماء بآثار أبي العلاء ص 429.
(51) الثعالبي، فقه اللغة، ص 439.
(52) الثعالبي، فقه اللغة، ص 439 .
(53) ابن فارس، الصاحبي، ص 44. والسيوطي، المزهر 1/407.
(54) السيوطي، المزهر 1/407.
(55) تعريف القدماء بآثار أبي العلاء، ص 429.
(56) الصالح، دراسات في فقه اللغة العربية، ص 293.
(57) السيوطي، المزهر، 1/405.
(58) ابن فارس، الصاحبي، ص 96.
(59) ابن فارس، الصاحبي، ص 97. والسيوطي، المزهر، 1/404.
(60) السيوطي، المزهر، 1/384.
(61) السيوطي، المزهر، 1/400.
(62) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 109.
(63) السيوطي، المزهر، 1/384.
(64) ديوان طرفة، ط مكس سلفسون ، ص 38 .
(65) ديوان امرئ القيس، تحقيق السندوبي، ص 153.
(66) ابن فارس، الصاحبي، ص 97.
(67) (67) Hornby, Progressive English, p. 10 .
(68) ابن فارس، الصاحبي، ص 98.
(69) الثعالبي، فقه اللغة، ص 50.
(70) تستخدم كلمة Street " شارع " للطريق الذي تقوم على جانبيه المباني والأشجار. وله رصيفان.
(71) السيوطي، المزهر، 1/403 .
(72) الزركشي، البرهان، 4/83.
(73) الزركشي، البرهان، 4/83.
(74) بنت الشاطئ، الإعجاز البياني للقرآن، ص 206.
(75) تستخدم كلمة profound مع الأمور المعنوية مثل: " تفكير عميق" " عاطفة عميقة ".
(76) Jackson, words and their mening, p. 65.
(77) Jackson, words and their meaning, p. 66.
(78) hornby. Oxford Progressive English 2 / 113 .
(79) وقيل: " التبر: الذهب والفضة قبل أن يُعملا" انظر كتاب العين، (ت ب ر ).
(80) الزركشي، البرهان، 4/80 .
(81) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 97.
(82) Palmer, Semantics, p. 91 .
(83) Jackson, words and their meaning, p. 66.
(84) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 97.
(85) Jackson, Words and their meaning, p. 66
(86) Jackson, Words and their meaning, p. 67.
(87)
(88) السيوطي، المزهـر، 1/283- 285 .
(89) ديوان المتنبي بشرح العكبري، 3/18.
(90) ديوان المتنبي بشرح العكبري، 4/139.
(91) ديوان أبي نواس، تحقيق الغزالي، ص 426.
(92) السيوطي، المزهر، 1/406.
(93) البُرْمة: قِدر من حجر وهي لهجة مكية بخلاف القدر فإنها بصرية. انظر المزهر 1/403.
(94) السيوطي، المزهر، 1/404.
(95) السور كلمة فارسية بمعنى الطعام.
(96) السجنجل: المرآة بالرومية.
(97) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 99.
(98) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 99.
(99) Jackson, Words and their meaning, p. 69 .
(100) أولمان، دور الكلمة في اللغة، ص 100.
(101) Jackson, Words and their meaning, p. 68.
(102) Jackson, Words and their meaning, p. 68.
(103) Jackson, Words and their meaning, p. 68.
(104) الأكمـه : هو الذي ولد وهو أعمـى.
(105) الذراع: من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى. أما الساعد فهو عظم الذراع من لدن المرفق إلى الرسغ.
(106) الورد: هو الزهر الأحمر في الأصل.
(107) وفي حديث أبي هريرة: إنْ سمعت بالسكين إلا في هذا الحديث" اللسان( س ك ن).
(108) الهمذاني، الألفاظ الكتابية، ص 87 .
(109) الهمذاني، الألفاظ الكتابية، ص 86.
(110) الثعالبي، فقه اللغة، ص 252 .
(111) الثعالبي، فقه اللغة، ص 426 .
(112) الثعالبي، فقه اللغة، ص 411 .
(113) الثعالبي، فقه اللغة، ص 256 .
(114) الثعالبي، فقه اللغة، ص 267 .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية