عبد الرحمن دركزللي

Linguistic studies. Short Stories. Literary. Grammer

صورتي
الاسم:
الموقع: الإمارات العين, الجمهورية العربية السورية حلب, Syria

مدرس اللغات القديمة بجامعة حلب، معار إلى جامعة الإمارات، 0507301891 adarkazalli@uaeu.ac.ae يرجى استخدام الوصلة التالية للاطلاع على مقالات أدبية وقصص مترجمة للمؤلف http://darkazalli.blogspot.com

2007/07/08

الفروق اللغـــوية

الفروق اللغـــوية

د. عبد الرحمن دركزللي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمتاز اللغات بأنها تبدأ بسيطة ساذجة، ثم إنها ــ بمرور الزمن ــ تجنح إلى التخصيص والتحديد، وذلك راجع إلى التقدم الحضاري الذي يحققه الناطقون ، من الأمثلة على ذلك كلمة company " شــركة" في اللغة الإنكليزية، فنحن نجد بإزائها كلمات أخرى من طراز :
هinstitution " مؤسسة" و establishment " منشأة " و organization " منظمة "
ولئن كان لكل من هذه الكلمات دلالة مشتركة تلتقي فيها بالكلمة الأولى فإن لكل منها خصوصية أيضا يعرفها أهل اللغة. ولولا تلك الفروق لما كان لوجود هذه الكلمات أية فائدة و لتم الاكتفاء بواحدة منها فقط.

و مما لا ريب فيه أن النزوع إلى التمييز والتفريق يشكل تيارا عريضا في اللغة، وهو تيار يسير في الاتجاه المعاكس لتيار الترادف، فكلما أوغلت اللغة في التخصيص والتمييز جاء الترادف فمحا تلك الفروق وأزال تلك الاختلافات محققا بذلك مبدأ لغويا مهما، وهو مبدأ الاقتصاد اللغوي.

وتعد اللغة العربية من أكثر اللغات ميلا إلى التفريق و التمييز بين دلالات الألفاظ ، خذ على سبيل المثال تلك الفروق التي تتعلق بصفات الناقة : [ كفاية المتحفظ ـ الأجدابي ــ ص 16 ، 17 ]
الحرف : الناقة الضامرة ( وكذلك الحرجوج )
العنس : الناقة الشديدة.
الشملال: الناقة الخفيفة. ( وكذلك الميلع )
الناجيــة : الناقة السريعة.
الشمردلة : الناقة الطويلة.
الأجد : الناقة الموثّقة الخلق.
الخرقاء : الناقة التي بها هوج من شدة النشاط.
الشغموم : الناقة الحسنة.
الكوماء: الناقة العظيمة السنام.

ويستولي على الناظر العجب حين يرى أن العرب استخدمت صفات كثيرة بمعنى واحد لموصوف
واحد، فالناقة الشديدة القوية يقال لها : عنس كما تقدم ، ويقال لها أيضا [ كفاية المتحفظ 16 ــ 17] : عنتريس ، عُذافرة ، علنداة ، عيرانة ، عرمس ، عيهل .. إلخ.

وأغرب من ذلك أن اللغويين القدامى تنبهوا إلى تلك الفروق ، فقيدوها وضبطوها في مصنفاتهم
ومنهم الأصمعي وثعلب وابن قتيبة وابن فارس والثعالبي وسواهم. ومن الأمثلة على ذلك ما صنعه ابن قتيبة في " أدب الكاتب" ص 17 ــ 35 إذ نبه الكتاب الناشئين على تلك الفروق، ودعاهم إلى مراعاتها كيلا يقعوا في الخطأ، وأبرز الأمثلة التي ساقها:
(الحشمة / الحياء) : ومن ذلك الحشمة يضعها الناس موضع الاستحياء، وليس كذلك إنما هي بمعنى الغضب.

(الظـــل / الفـــيء): يذهب الناس إلى أنهما شيء واحد، وليس كذلك، لأن الظل يكون غدوة وعشية
والفيء لا يكون إلا بعد الزوال.

(الخُلف / الكذب) : لا يكاد الناس يفرقون بينهما، والكذب فيما مضى .. والخلف فيما يستقبل.

(الفقير / المسكين) : لا يكاد الناس يفرقون بينهما.. الفقير الذي له البُلغة من العيش، والمسكين
الذي لا شيء له.
(البخيل / اللئيم ): يذهب الناس إلى أنهما سواء، وليس كذلك، إنما البخيل الشحيح الضنين، واللئيم الذي جمع الشح و مهانة النفس ودناءة الآباء، يقال : كل لئيم بخيل، وليس كل بخيل لئيما.

(الحمد / الشكر ): لا يفرق الناس بينهما ، فالحمد الثناء على الرجل بما فيه من حسن، والشكر له
الثناء عليه بمعروف أولاكه.

(الجبهة / الجبين) : لا يكاد الناس يفرقون بينهما، فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه ندب السجود
والجبينان: يكتنفانها ، من كل جانب جبين.

ومنهج ابن قتيبة في التمييز والتفريق بين الألفاظ يعتمد على ما ورد في كتاب الله وأقوال الفصحاء من الشواهد ، يقول في التفريق بين الفقير والمسكين : [ أدب الكاتب ص 29 ] :
" ومن ذلك الفقير والمسكين، لا يكاد الناس يفرقون بينهما، وقد فرق الله تعالى بينهما في آية الصدقات، فقال جل ثناؤه : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) وجعل لكل صنف منهما سهما، والفقير الذي له البُلغة من العيش، والمسكين الذي لا شيء له، قال الراعي :
أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيال فم يُترك له سـبدُ
فجعل له حلوبة ، وجعلها وفقا لعياله ، أي قوتا لا فضل فيه "

على أن الذي نبغ في هذا المضمار وبذ أقرانه فيه إنما هو أبو هلال العسكري (395 هـ ) إذا أنكر وجود الترادف في اللغة وزعم أن" واضع اللغة حكيم لا يأتي بما لا يفيد " [ الفروق ص 13 ]
أما التعليل عنده فهو أن " كل اسمين يجريان على معنى من المعاني وعين من الأعيان في لغة واحدة فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا لكان الثاني فضلا لا يُحتاج إليه"
ثم إنه يورد ما قاله المبرد في تفسيره قوله تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا )، قال : فعطف (منهاجا) على ( شرعة ) ؛ لأن الشرعة لأول الشيء، والمنهاج لمعظمه ومتسعه... لقولهم:
شرع فلان في كذا إذا ابتدأ، وأنهج البلى في الثوب، إذا اتسع فيه، ويُعطف الشيء على الشيء وإن كانا يرجعان إلى شيء واحد إذا كان في أحدهما خلاف للآخر، فأما إذا أريد بالثاني ما أريد بالأول فعطف أحدهما على الآخر خطأ ، لا تقول : جاءني زيد وأبو عبد الله ،إذا كان زيد هو أبو عبد الله"

ويعمد العسكري إلى إبراز الفروق بين الألفاظ انطلاقا من [ الفروق في اللغة ص 16 ــ 19 ]:

1 ـ الاستعمال : ( العلم / المعرفة ) : العلم يتعدى إلى مفعولين، والمعرفة تتعدى إلى مفعول واحد.

2 ـ اعتبار صفات المعنيين ( الحلم / الإمهال ): الحلم لا يكون إلا حسنا، والإمهال يكون حسنا وقبيحا.

3 ـ اعتبار ما يؤول إليه المعنيان ( المُزاح / الاستهزاء)المزاح لا يقتضي تحقير الممازح، و الاستهزاء يقتضي تحقير المستهزأ به.

4 ـ اعتبار الحروف التي تُعدّى بها الأفعال ( العفو / الغفران ): تقول : عفوت عنه؛ فيقتضي ذلك
أنك محوت الذم والعقاب عنه، وتقول : غفرت له فيقتضي ذلك أنك سترت له ذنبه ولم تفضحه.

5 ـ اعتبار النقيض ( الحفظ / الرعاية ): وذلك أن نقيض الحفظ الإضاعة ، و نقيض الرعاية الإهمال.

6 ـ اعتبار الاشتقاق ( السياسة / التدبير ): السياسة هي النظر في الدقيق من الأمور ،وهي مشتقة من السوس هذا الحيوان المعروف، والتدبير مشتق من الدبر، ودبر كل شيء آخره، وأدبار الأمور عواقبها، فالتدبير آخر الأمور وسوقها إلى ما يصلح به أدبارها، أي عواقبها، ولهذا قيل للتدبير المستمر سياسة، وذلك أن التدبير إذا كثر واستمر عرض فيه ما يحتاج إلى دقة النظر ؛ فهو راجع إلى الأول.

7 ـ اعتبار صيغة اللفظ (الاستفهام / السؤال): الاستفهام وهو استفعال، والاستفعال للطلب ينبىء عن الفرق بينه وبين السؤال ، ذلك أن الاستفهام لا يكون إلا لما يجهله المستفهم ، وقد يجوز أن يسأل السائل عما يعلم وعما لا يعلم.

8 ـ اعتبار أصل حقيقة اللفظين في أصل اللغة ( الحنين / الاشتياق ):أصل الحنين في اللغة هو صوت من أصوات الإبل تحدثها إذا اشتاقت إلى أوطانها، ثم كثر ذلك حتى أجري اسم كل واحد منهما على الآخر .

9 ـ انتماء اللفظين إلى لهجتين مختلفتين ( القدر / البُرمة ): فإذا اعتبرت هذه المعاني وما شاكلها في الكلمتين ولم يتبين لك الفرق بين معنييهما فاعلم أنهما من لغتين ، مثل : القدر بالبصرية والبُرمة بالمكية.

10 ـ انتماء اللفظين إلى لغتين مختلفتين ( الله / آزر ) ومثل قولنا ( الله ) بالعربية ، و (آزر ) بالفارسية.

والحق أنه بوسعنا إضافة أمور أخرى إلى ما ذكره العسكري، مثل :

الفرق بين اللفظين على أساس زمني
( العلامة / الأثر ) : الفرق بين العلامة والأثر أن أثر الشيء يكون بعده، وعلامته تكون قبله، تقول : الغيوم والرياح علامات المطر. أما مدافع السيول فآثار المطر.

الفرق بين اللفظين على أساس مكاني
الوضاءة في البشرة ، الجمال في الأنف ، الحلاوة في العينين ، الملاحة في الفم ، الظرف في اللسان ، الرشاقة في القد ، اللباقة في الشمائل ، الحسن في الشعر[الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 76 ]

الفرق بين اللفظين على أساس الحجم
( المعروف / المشهور ) : المشهور هو المعروف عند الجماعة الكبيرة، والمعروف معروف وإن عرفه واحد. يقال: هذا معروف عند زيد ، ولا يقال مشهور عند زيد، ولكن مشهور عند القوم.

الفرق بين الألفاظ على أساس المراتب والمستويات
النوم : أول النعاس.
الوسن: ثقل النعاس.
الترنيق: مخالطة النعاس للعين.
الكرى: أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان.
التغفيق: هو النوم وأنت تسمع كلام القوم.
الإغفاء: النوم الخفيف.
التهويم : النوم الخفيف.
الهجوع: النوم الغرق.
التسبيخ: وهو أشد النوم [ الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 256]



الفرق بين اللفظين على أساس عددي
( القراءة / التلاوة ) : التلاوة لا تكون إلا لكلمتين فصاعدا، والقراءة تكون للكلمة الواحدة، يقال : قرأ فلان اسمه ولا يقال : تلا اسمه.

الفرق بين اللفظين على أساس نفسي
( الجحد / الإنكار) : الجحد هو إنكار الشيء مع العلم به واليقين( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم )، والإنكار يكون مع العلم وغير العلم.

الفرق بين اللفظين على أساس الوضعية
( الكأس / الزجاجة ): لا يقال كأس إلا إذا كان فيها شراب ، وإلا فهي زجاجة.
( مائدة / خوان ): لا يقال مائدة إلا إذا كان عليها طعام ، وإلا فهي خوان.
( كوز/ كوب ): لا يقال كوز إلا إذا كانت له عروة ، وإلا فهو كوب.
( قلم / أنبوبة ) : لا يقال قلم إلا إذا كان مبريا ، وإلا فهو أنبوبة.
( ( خاتم / فتخة ) : لا يقال خاتم إلا إذا كان فيه فصّ ، وإلا فهو فتخة .
( صوف / عهن ) ولا يقال عهن إلا إذا كان مصبوغا وإلا فهو صوف.
(خدر / ستر ) : ولا يقال خدر إلا إذا كان مشتملا على جارية مخدّرة ، وإلا فهو ستر.
( بئر / ركية ) : ولا يقال ركية إلا إذا كان فيها ماء ، وإلا فهي بئر. [الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 50 ]

الفرق بين الألفاظ على أساس المادة
خشارة الناس ، نفاية الدراهم ، عكر الزيت ، قمامة البيت، قلامة الظفر، خبث الحديد ، سقط المتاع حشف التمر، مشاطة الشعر ، خلالة الفم، براية العود، برادة الحديد ، حثــــالة المائدة، نشـــــــــارة الخشـب( الثعالبي ــ فقه اللغة 93).

الفرق بين الألفاظ على أساس الجنس
صدر الإنسان ، كركرة البعير ، لبان الفرس ، زور السبع ، قص الشاة، جؤجؤ الطائر ، جوشن الجرادة. [ الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 175 ]

ولد الفيل : دغفل .
ولد الفرس : مهر .
ولد الحمار : جحش .
ولد الشاة : حمل .
ولد العنز : جدي .
ولد الأسد : شبل .
ولد الظبي : خشف.
ولد الخنزير : خنّوص.
ولد الثعلب : هجرس.
ولد الكلب : جرو.
ولد الفأرة : درص.
ولد الضب : حسل.
ولد القرد : قشة.
ولد الأرنب: خرنق.
ولد الدجاج : فروج .
ولد النعام: رأل.
ولد الضبع : فرعل. [ الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 146]

الفرق بين الألفاظ على أساس العموم والخصوص
( البغض / الفرك ): البغض عام ، والفرك فيما بين الزوجين خاص.
( التشهي / الوحم ) : التشهي عام ، والوحم للحبلى خاص.
( النظر / الشــيم ): النظر إلى الأشياء عام، والشيم للبرق خاص.
( النوم / القيلولة ) : النوم في الأوقات كلها عام، والقيلولة نصف النهار خاصة .
( الطلب / التوخي ) : الطلب عام ، والتوخي في الخير خاصة.
(الهرب / الإباق ): الهرب عام ، والإباق للعبيد خاص.
( الرائحة / القتار ) : الرائحة عامة ، والقتار للشواء خاص.
(السير / السـرى ) : السير عام ، والسرى ليلا خاص.
( الخدمة / السدانة ) : الخدمة عامة عامة ، والسدانة للكعبة خاصة. [ الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 463 ]


الفرق بين الألفاظ على أساس العمر
يقال للمرأة : [ الثعالبي ـ فقه اللغة ـ ص 145]
طفلة : مادامت المرأة صغيرة.
وليدة : إذا تحركت.
كاعب : إذا كعب ثديها.
معصر: إذا أدركت.
خود: إذا توسطت الشباب.
مسلف: إ جاوزت الأربعين.
نصـــــف:إذا كانت بين الشباب والتعجيز.
شهلة كهلة: إذا بلغت الكبر وفيها بقية وجلد.
شهبرة : إذا عجّزت وفيها تماسك.
حيزبون : إذا صارت عالية السن ناقصة القوة.
قلعم / لطلط: إذا انحنى قدها وسقطت أسنانها.


و مما لا ريب فيه أن هذا الميل نحو التفريق والتمييز يعد مفخرة من مفاخر العربية، ودليلا على
عراقتها وقدمها، ومظهرا من مظاهر التحضر الذي بلغه أهلها، وهو لا يتناقض مع الترادف؛ لأن
اللغة ــ كما نوهنا ــ تعمل في اتجاهين : الأول ( الفروق ) يؤدي إلى كثرة ألفاظها ودقة مفرداتها، والثاني ( الترادف ) يؤدي إلى تخفيف العبء على الناطقين وتيسير الأمور للمستخدمين، وهكذا يتحقق التوازن المنشود، ولولا هذان العاملان لناء الإنسان بكثرة الألفاظ ودقتها ،أو لشكا من غموض الألفاظ وإبهامها
.




0




التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية