عبد الرحمن دركزللي

Linguistic studies. Short Stories. Literary. Grammer

صورتي
الاسم:
الموقع: الإمارات العين, الجمهورية العربية السورية حلب, Syria

مدرس اللغات القديمة بجامعة حلب، معار إلى جامعة الإمارات، 0507301891 adarkazalli@uaeu.ac.ae يرجى استخدام الوصلة التالية للاطلاع على مقالات أدبية وقصص مترجمة للمؤلف http://darkazalli.blogspot.com

2007/07/08

القلب في اللغة العربية

ب ـ القلب في اللغة العربية

د. عبد الرحمن دركزللي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تشتمل اللغة العربية على خصيصة لطيفة جديرة بالتأمل والاهتمام نظراً لما فيها من الغرابة والخروج عن المألوف، وهي ظاهرة القلب، وللقلب أنواع عدة، أبرزها:
1ـ القلب المكاني metathesis:
وفيه تتبادل أحرف الجذر المواقع، ومن الأمثلة:
ع ز م ← ز م ع نحو: (عَزَمَ على الأمر، أَزْمَعَ الأَمْرَ).
ح م د ← م د ح نحو: (حمِدَ، مَدَحَ).
ص ع ب ← ع ص ب نحو: (صَعْب، عصيب).
ع م د ← د ع م نحو: (عَمود، دِعامة).
ع ب ر ← ع ر ب نحو: (عَبَّرَ عن، أَعْرَبَ عن).
د هـ ش ← ش د هـ نحو: (دُهِشَ، شُدِهَ).
وفائدة هذا النوعِ من القلب أنّه يَزيدُ مِن حجم اللغة بتكثيرِ مُفرداتها، وقد قالَ ابنُ فارسٍ ([1]) إنه من سُنَنِ العرب وذَكَرَ أنّ القُرآن الكريم خِلْوٌ منه على كثرته.
2ـ القلب الصرفي:
وهو قليل على العموم، وفيه يتمّ استخدامُ صيغةٍ مكانَ أخرى تُناقِضُها كاستخدام صيغة >فاعِل< للدلالة على المفعول:
ـ سر كاتِم = سر مكتوم.
ـ ماء دافِق = ماء مدفوق.
ـ عيشة راضِية = عيشة مرضيّة.
ـ رجل دائن = رجل مَدين / مديون.
ومن هذا أيضاً استخدامهم صيغة التصغير للدلالة على التعظيم، وهو خلاف الأصل كقول الشاعر ([2]):
دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرّ منها الأَنامِلُ

وكلُّ أُناس سوف تدخُل بينَهُمْ
وكلمة دُوَيْهِيَة ـ هنا ـ استُخدمت بمعن الداهية العظيمة ([3])، ومثل هذا يُقال في بيتِ ابن الفارض ([4]):
قال مالي حِيلةٌ في ذا الهُوَيّْ

وَضَعَ الآسي بِصَدْري كَفَّهُ
فالهُوَيّ هنا استُخدمت بمعنى الحُبّ الخطير الذي لا قِبَلَ للطبيب به ولا قُدْرةَ له على علاجه.
3ـ القلب المعنوي:
وفيه يتم وضع كلمة مضادة في المعنى مكان أخرى على سبيل المدح أو الذم أو التفاؤل، فالعرب تقول للرجل تستجهله: يا عاقلُ، وللمرأة تستقبحها: يا قمرُ ([5]). وذكر ابن السِكّيت ([6]) أنّهم يقولون للأسود: أبو البيضاء، وللأبيض: أبو الجَوْن، كما جاء في تاج العروس ([7]) أنّ من أسماء الداهية: البيضاء كأنه من باب التفاؤل، كما سَمَّوُا اللديغَ سليماً.
وذكر ابن فارس في المقاييس ([8]) أن العرب ربما لقّبت بعض الأشياء بلقب يكنون به عن الشيء كما يلقبون الغَدْرَ: كَيْسان.
ونحن اليوم في لغتنا نستعمل مثلَ هذا، فنقول للغبيّ: يا ذكي، كما نقول للذي انحطّ خُلُقُه: يا مُهذَّبُ أو مُؤدَّب.
4ـ القلب الإسنادي:
وفيه يتمّ الإسنادُ إلى غير صاحبه، وقد أورد اللغويون بعض الأمثلة عليه:
ـ أدخلتُ القَلَنْسُوَةَ في رأسي ([9])، والأصل فيه: أدخلتُ رأسي في القلنسوة.
ـ خَرَقَ الثوبُ المِسْمارَ ([10])، والأصل فيه: خرقَ المسمارُ الثوب.
ـ أدخلتُ الخاتَِمَ في إصْبَعِي ([11])، والأصل فيه: أدخلتُ إصبعي في الخاتَِمِ.
ـ حَسَرْتُ كفّي عن السِّرْبالِ ([12])، وأصلُه: حَسَرْتُ السِّرْبالَ عن كفّي.
ـ عَرَضْتُ الناقةَ على الحَوْضِ ([13])، وأصلُه: عرضتُ الحوضَ على الناقة.
وينشأ هذا النوع من القلب عادةً عن الاضطرابِ النفسيّ الناجم عن خوفٍ أو خَجَلٍ أو اضطرابٍ، فقد يقولُ أحدُنا: وضعتُ الشايَ في السُّكَّر عِوضاً من: وضعتُ السُّكَّرَ في الشاي. أو : نَسِيتُ البابَ على المِفْتاح. عوضاً من: نسيتُ المِفْتاحَ على الباب، والشيء الغريب هُنا أنّ مثل هذا القلبِ وَرَدَ في كلامِ الفُصحاء فقد جاء في بيت الفرزدق ([14]):
كان الزِّناءُ فريضةَ الرجم

كانت فريضةَ ما تقول كما
والأصل: كان الرجمُ فريضةَ الزَّناء، كما وَرَدَ في قول النابغة يعتذر إلى النُعمان:
إلى الناس مَطْلِيٌّ به القارُ أَجْرَبُ

فلا تَتْرُكَنّي بالوعيدِ كأنّني
ومعناه: لا تُعرّضْني ـ بتهديدِك ـ لِجفاء الناس واجتنابِهم كالبعير الأجرب المَطْليّ بالقار.
فبدلاً من أن يقول: أجربُ مَطْلِيٌّ بالقار، قال: القارُ مَطْلِيّ بالأجرب، والقارُ لا يُطْلى وإنّما يُطْلى به.
كما ورد مِثْلُ هذا في بيت لِعُرْوَةَ بنِ الورد ([15]):
وما آلُوْكَ إلاّ ما أُطِيقُ

فديتُ بنفسِه نفسي ومالي
ومُراده: فديتُ بنفسي نفْسَه، فقلب وعكس، ومنه أيضاً قولُ السموءل المشهورُ([16]):
فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُفليس إلى حُسْنِ الثَّناء سبيلُ

إذا المرءُ لم يَدْنَسْ من اللُّؤمِ عِرْضُهوإنْ هو لم يحملْ على النفس ضَيْمَها
والشاهد في قوله: وإنْ هو لم يحمِل على النفسِ ضَيْمَها ؛ الأصلُ فيه: وإنْ هو لم يَحْمِلْ نَفْسَه على الضَّيْم فليس... الخ.
وأغربُ من هذا كلِّه أن كتابَ الله اشتمل أيضاً على من شيءٍ من هذا ، قال تعالى:
{ }([17]) قال السَّكّاكيّ([18]): الأصل : جاءها بأسُنا فأهلكناها. وقال سبحانه مِن قائل: { }([19]) قال ابن فارس([20]): ومعلوم أن التحريم لا يقع إلا على من يلزمُه الأمرُ والنَّهْي، وإذا كان كذا فالمعنى: وحرّمنا على المراضع أن يرضعنه، ووَجْهُ تحريمِ إرضاعه عليهن ألاّ يَقْبلَ رَضاعَهُن حتى يُرَدَّ إلى أُمِّه. ومن القلب أيضاً قوله تعالى: { } ([21]) علّق عليه ابن فارس([22])، بقوله: والأَصنامُ لا تُعادي أحداً، فكأنّه قال: فإنّي عدوٌّ لهم. وعَداوتُه لها بُغْضُه إيّاها وبَراءتُه منها. وكذلك قولهُ تعالى: { } ([23]) قال الإمامُ الزَّرْكَشيّ ([24]) والأصل: فَبَشَّرناها بإسحاق فضحكت، ومن هذا القبيل قولُه تعالى: { } ([25])، ومعناه أن كنوز فرعون تنوء بحملها العصبةُ الشديدةُ من الرِّجال وتعجِزُ عن حَمْلِها. قال أبو عبيدة ([26]): هو مقلوب وأصله: لَتَنُوْءُ العُصْبَةُ بها. أمّا قولُه سُبحانَه: { }([27]) فقد قِيل فيه : الأصلُ([28]) وما تَخْدَعُهم إلا أَنْفُسُهم ؛ لأن الأَنْفُسَ هي المُخادِعةُ والمُسَوِّلة، قال تعالى: { } ([29]). وعلّق الفرّاءُ ([30]) على قوله عزّ وجل: { } ([31])، فقال: أيْ لِكُلّ أمرٍ كَتَبَهُ اللهُ أَجَلٌ مُؤجَّل.
واختلف العلماء ([32]) في أمر هذا النوع من القلب، فذهب بعضُهم إلى أنّه من أساليب البلاغة ([33])، وأنكره جماعة منهم حازم في كتاب >منهاج البلغاء< وقال: إنه مما يَجِب أَنْ يُنَزَّهَ كتابُ الله عنه ؛ لأن العربَ ـ إن صَدَرَ منهم ـ فَبِقَصْدِ العَبَثِ أو التهكُّم أو المُحاكاةِ أو حالَ الاضطرار، واللهُ مُنَزَّهٌ عن ذلك.
ونحن نرى أن القَلْب أُسلوبٌ عربيّ فصيح، يشهد على ذلك ما وَرَدَ منه في كتاب الله وفي الشعر العربي الأصل، ولكنّنا نرى أن ما جاء منه في كتاب الله عزّ وجلّ لم يكن عن غفلةٍ أو عَبَث أو اضطرارٍ ـ كما هي الحال في كلام البشر ـ وإنما جاء عن قصْد لأنه ـ تبارك شأنُه ـ خاطَبَهم بلغتهم وبأساليبهم على ما فيها من غرابةٍ والتواء، فإذا صحّ لنا هذا الرأيُ وَجَب علينا أن نُنَبّه على أنّ ما ادعاه بعضُهم من أنّ قول الناس: >استبدلتُ داري القديمة بدار جديدة< خطأ سببُه إدخالُ الباء على الحاصل ([34]) غيرُ صحيحٍ لأنّ هذا يتخرّجُ بادّعاء القَلْبِ فيه. والقلبُ ـ كما رأينا ـ من سُنَنِ العرب.
* * * * *


([1]) الصاحبي، ص 202.
([2]) الإنصاف في مسائل الخلاف، 1/ 139.
([3]) أي الموت، وقوله: تصفر منها الأنامل، كناية عنه.
([4]) ديوان ابن الفارض، ص 5.
([5]) فقه اللغة ، ص 498.
([6]) لسان العرب ، مادة (ب ي ض).
([7]) تاج العروس، مادة (ب ي ض).
([8]) مقاييس اللغة، 4/161.
([9]) أورده المبّرد في كتاب ″ما اتفق لفظُه واختلف معناه″ انظر البرهان 3/288 (حاشية 1).
([10]) الأشباه والنظائر، 1/139.
([11]) الصاحبي، ص 202.
([12]) الصاحبي ص 203، وأمالي المُرتضى، 1/467.
([13]) مفتاح العلوم 1/113، وأمالي المرتضى ، 1/ 466.
([14]) الصاحبي ص 202، والإنصاف في مسائل الخلاف ، 1/373.
([15]) الإنصاف في مسائل الخلاف: 1/374.
([16]) الإنصاف: 1/374 (حاشية).
([17]) الأعراف: 7.
([18]) مفتاح العلوم 1/113.
([19]) القَصص: 12.
([20]) الصاحبي ص 203.
([21]) الشعراء 77.
([22]) الصاحبي 203.
([23]) هود 71.
([24]) البرهان 3/280.
([25]) القصص 76.
([26]) فقه اللغة 2/565، وأمالي المرتضى 1/466.
([27]) البقرة 9 وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو.
([28]) البرهان 3/291.
([29]) يوسف 18.
([30]) البرهان 3/290.
([31]) الرعد 38.
([32]) البرهان 3/288.
([33]) قال السكاكي في ″مفتاح العلوم 1/113″ : >يُورِثُ الكلامَ مَلاحةً ولا يُشجِّع عليها إلا كمالُ البلاغةِ<.
([34]) البحر المحيط 1/178.

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية